شنشنة اعرفها من اخزم

انساق العديد من الشباب وراء دعوى عريضة ملأت الدنيا وشغلت الناس شعارها : " ثبت علميا أن " مما استحسنتها عقولهم واستساغتها ألسنتهم وصارت تلهج بها في كل نادي ومحفل ، وما أظن ذلك إلا جزءا من صد الشباب عن الدين باعتباره اعتقادا وعبادة وسلوكا ، وذلك بطريقة فنية لا يتنبه لها غالب الشباب .
على أني لا أقصد التشكيك في الحقائق العلمية هنا ، ولكن قصدي أن أبين أن للعقلية الاسلامية خصائص تميزها عن باقي العقليات ، ويعد الايمان بالغيب على رأس هرم العقلية الاسلامية ، والفيصل الفارق بينها وبين العقلية الغربية بالأساس ، فإذا كان الايمان بالغيب مميزا لعقليتنا الاسلامية فإن العقلية الغربية تنطلق من الوضعية والمادية الصرفة ولا تولي للغيب أدنى اهتمام ، بل يسيطر عليها الايمان بالمحسوسات والماديات التي تنتج عن الدراسات سواء المخبرية التجريبية أو الاحصائية ، وتصل نسبة الايمان بهذه الحقائق العلمية إلى درجة القطع والجزم ؛ ذلك لانها مبنية على منطق رياضي منضبط لا يعرف الخطأ سبيلا إليه – زعموا‑ .
وكان لهذا النعيق في الغرب صداه في العالم الاسلامي خصوصا في أوساط الشباب بحيث انتشر فيهم انتشار النار في الهشيم ، وصار الواحد منهم إذا ناقشته في شيء من مثل تلك الدعاوى يقول لك : إنها حقيقة علمية ، و ثبت علميا ، و ... و ... وكأن الحقائق العلمية نزلت من عند الله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم .
والغرب – فكرا لا رقعة جغرافية معينة – ذكي كعادته في محاربة الدين ، تغلغل في دراسة الدين بدون خلفية اسلامية وتجرد من كل شيء عدا مناهجه الجوفاء التي تخدم مصالحه وأفكاره ، والتي تبين الحق باطلا والباطل حقا ، فدرسوا الصلاة ركوعها وسجودها و ...و ... وحكموا فيها على تحريك السبابة في التشهد وفائدتها ، وبهذا انخدع الناس وصاروا يعدون السجود أنه حقيقة علمية لا أنه مأمور به ، فالذي يسجد لا يسجد لأنه مأمور به بقوله تعالى : " يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " بل يسجد لأن السجود يخفف وينشط خلايا الدماغ ، وقس على ذلك الركوع وقراءة القرآن ، ولعمري هذا ضرب من الخبل ، بل إنه لا صلاة لمن يصلي بهذه النية ، لأن الأعمال بالنيات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ومما يقال من ان السجود يخفف من آلام الظهر إنما هو تغييب للتركيز فقط لا غير ، فلو أخبرت شخصا يعاني من ألم ما وقلت له دون سابق علم : ثبت علميا أن النظر إلى السماء يخفف من وطأة هذا الألم لصدقك الشخص وغيب تركيزه على الألم ، ونسي ما كان به ، نظرا لأن الحقائق لا تكذب كما رسخ في عقيدته الغرب انما هي نتائج قطعية .
وما أظن أن الغرض من هذا – كما قلت – غير إبعاد الشباب عن دينهم وتحييزهم عن عقليتهم المسلمة لا أقل ولا أكثر ، ولما كانت هذه الفئة هم قوة الأمم كان الأمر منتشرا فيها بكثرة .
وجملة القول هو تنبيه إخواني من الشباب وليس نكران الحقيقة العلمية جملة واحدة ، فالمطلوب التثبت وليس تقبل الأمر على عواهنه دون تريث ونظر في الأمر حتى ولو كان حقيقة علمية وإلا فما الغرض المتوخى من طرح مثل هذه المسائل ، فهويتنا الاسلامية تقتضي أن نمارس ديننا بقصد التعبد لا غير طبعا ان لكل عبادة حكمة لكننا لسنا ماموربن بالبحث عن الحكم ، وكأنني بالحكيم الطغرائي كان يخاطبك حين قال :
قد هـيأوك لأمـر إن فطـنت له :::::::: فـاربأ بنفسـك أن تـرعى مـع الهـمل
والحمد لله اولا وآخرا .